فصل: قال ابن الجوزي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأما حذف بعضها إذا دلّ الدليل عليه فجائز، فإن قلت: فلم جعلت {لولا} متعلقة بهمّ بها وحده ولم تجعلها متعلقة بجملة قوله: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها} لأن الهمّ لا يتعلق بالجواهر ولكن بالمعاني، فلابد من تقدير المخالطة والمخالطة لا تكون إلا من اثنين معا، فكأنه قيل: ولقد هما بالمخالطة لولا أن منع مانع أحدهما؟ قلت: نعم ما قلت، ولكنّ اللّه سبحانه وتعالى قد جاء بالهمين على سبيل التفصيل حيث قال وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها فكان إغفاله إلغاء له، فوجب أن يكون التقدير. ولقد همت بمخالطته وهم بمخالطتها، على أنّ المراد بالمخالطتين توصلها إلى ما هو حظها من قضاء شهوتها منه، وتوصله إلى ما هو حظه من قضاء شهوته منها، لولا أن رأى برهان ربه، فترك التوصل إلى حظه من الشهوة، فلذلك كانت {لولا} حقيقة بأن تعلق بهمّ بها وحده، وقد فسرهمّ يوسف بأنه حل الهميان وجلس منها مجلس المجامع، وبأنه حل تكة سراويله وقعد بين شعبها الأربع وهي مستلقية على قفاها، وفسر البرهان بأنه سمع صوتًا: إياك وإياها، فلم يكترث له، فسمعه ثانيًا فلم يعمل به، فسمع ثالثًا: أعرض عنها، فلم ينجع فيه حتى مثل له يعقوب عاضا على أنملته. وقيل: ضرب بيده في صدره فخرجت شهوته من أنامله. وقيل: كل ولد يعقوب له اثنا عشر ولدًا إلا يوسف، فإنه ولد له أحد عشر ولدًا من أجل ما نقص من شهوته حين همّ، وقيل: صيح به: يا يوسف، لا تكن كالطائر: كان له ريش، فلما زنى قعد لا ريش له. وقيل: بدت كف فيما بينهما ليس لها عضد ولا معصم، مكتوب فيها {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ كِرامًا كاتِبِينَ} فلم ينصرف، ثم رأى فيها {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَساءَ سَبِيلًا} فلم ينته، ثم رأى فيها {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ} فلم ينجع فيه، فقال اللّه لجبريل عليه السلام: أدرك عبدى قبل أن يصيب الخطيئة، فانحط جبريل وهو يقول: يا يوسف، أتعمل عمل السفهاء وأنت مكتوب في ديوان الأنبياء؟ وقيل: رأى تمثال العزيز. وقيل: قامت المرأة إلى صنم كان هناك فسترته وقالت: أستحيى منه أن يرانا. فقال يوسف استحييت ممن لا يسمع ولا يبصر، ولا أستحيى من السميع البصير، العليم بذوات الصدور. وهذا ونحوه. مما يورده أهل الحشو والجبر الذين دينهم بهت اللّه تعالى وأنبيائه، وأهل العدل والتوحيد ليسوا من مقالاتهم ورواياتهم بحمد اللّه بسبيل، ولو وجدت من يوسف عليه السلام أدنى زلة لنعيت عليه وذكرت توبته واستغفاره، كما نعيت على آدم زلته، وعلى داود، وعلى نوح، وعلى أيوب. وعلى ذى النون، وذكرت توبتهم واستغفارهم، كيف وقد أثنى عليه وسمى مخلصًا، فعلم بالقطع أنه ثبت في ذلك المقام الدحض، وأنه جاهد نفسه مجاهدة أولى القوّة والعزم، ناظرًا في دليل التحريم ووجه القبح، حتى استحق من اللّه الثناء فيما أَنزل من كتب الأولين، ثم في القرآن الذي هو حجة على سائر كتبه ومصداق لها، ولم يقتصر إلا على استيفاء قصته وضرب سورة كاملة عليها، ليجعل له لسان صدق في الآخرين، كما جعله لجدّه الخليل إبراهيم عليه السلام، وليقتدى به الصالحون إلى آخر الدهر في العفة وطيب الإزار والتثبت في مواقف العثار، فأخزى اللّه أولئك في إيرادهم ما يؤدّى إلى أن يكون إنزال اللّه السورة التي هي أحسن القصص في القرآن العربي المبين ليقتدى بنبي من أنبياء اللّه، في القعود بين شعب الزانية وفي حل تكته للوقوع عليها، وفي أن ينهاه ربه بثلاث كرّات ويصاح به من عنده ثلاث صيحات بقوارع القرآن، وبالتوبيخ العظيم، وبالوعيد الشديد، وبالتشبيه بالطائر الذي سقط ريشه حين سفد غير أنثاه، وهو جاثم في مربضه لا يتحلحل ولا ينتهى ولا ينتبه، حتى يتداركه اللّه بجبريل وبإجباره.
ولو أن أوقح الزناة وأشطرهم وأحدهم حدقة وأصلحهم وجهًا لقى بأدنى ما لقى به نبى اللّه مما ذكروا، لما بقي له عرق ينبض ولا عضو يتحرّك. فيا له من مذهب ما أفحشه، ومن ضلال ما أبينه {كَذلِكَ} الكاف منصوب المحل، أي مثل ذلك التثبيت ثبتناه. أو مرفوعه، أي الأمر مثل ذلك {لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ} من خيانة السيد {وَالْفَحْشاءَ} من الزنا {إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ} الذين أخلصوا دينهم للّه، وبالفتح. الذين أخلصهم اللّه لطاعته بأن عصمهم.
ويجوز أن يريد بالسوء. مقدّمات الفاحشة، من القبلة والنظر بشهوة، ونحو ذلك. وقوله: {مِنْ عِبادِنَا} معناه بعض عبادنا، أي: هو مخلص من جملة المخلصين. أو هو ناشئ منهم، لأنه من ذرية إبراهيم الذين قال فيهم: {إِنَّا أَخْلَصْناهُمْ بِخالِصَةٍ}.

.[سورة يوسف: الآيات 25- 29]

{وَاسْتَبَقَا الْبابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيا سَيِّدَها لَدَى الْبابِ قالَتْ ما جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلاَّ أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذابٌ أَلِيمٌ (25) قالَ هِيَ راوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكاذِبِينَ (26) وَإِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ (27) فَلَمَّا رَأى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (28) يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخاطِئِينَ (29)}
{وَاسْتَبَقَا الْبابَ} وتسابقا إلى الباب على حذف الجارّ وإيصال الفعل، كقوله: {وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ} على تضمين {استبقا} معنى (ابتدرا) نفر منها يوسف، فأسرع يريد الباب ليخرج وأسرعت وراءه لتمنعه الخروج. فإن قلت: كيف وحد الباب، وقد جمعه في قوله: {وَغَلَّقَتِ الْأَبْوابَ} قلت: أراد الباب البراني الذي هو المخرج من الدار والمخلص من العار، فقد روى كعب أنه لما هرب يوسف جعل فراش القفل يتناثر ويسقط حتى خرج من الأبواب {وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ} اجتذبته من خلفه فانقد، أي انشق حين هرب منها إلى الباب وتبعته تمنعه {وَأَلْفَيا سَيِّدَها} وصادفا بعلها وهو قطفير، تقول المرأة لبعلها: سيدي.
وقيل: إنما لم يقل سيدهما، لأنّ ملك يوسف لم يصح، فلم يكن سيدًا له على الحقيقة. قيل: ألفياه مقبلا يريد أن يدخل. وقيل جالسًا مع ابن عمّ للمرأة. لما اطلع منها زوجها على تلك الهيئة المريبة وهي مغتاظة على يوسف إذ لم يؤاتها جاءت بحيلة جمعت فيها غرضيها: وهما تبرئة ساحتها عند زوجها من الريبة والغضب على يوسف، وتخويفه طمعًا في أن يؤاتيها خيفة منها ومن مكرها، وكرها لما أيست من مؤاتاته طوعا. ألا ترى إلى قولها {وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ ما آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ} و (ما) نافية، أي: ليس جزاؤه إلا السجن. ويجوز أن تكون استفهامية، بمعنى: أي شيء جزاؤه إلا السجن، كما تقول: من في الدار إلا زيد. فإن قلت: كيف لم تصرح في قولها بذكر يوسف، وإنه أراد بها سوءا قلت: قصدت العموم، وأنّ كل من أراد بأهلك سوءًا فحقه أن يسجن أو يعذب، لأنّ ذلك أبلغ فيما قصدته من تخويف يوسف. وقيل: العذاب الأليم الضرب بالسياط. ولما أغرت به وعرّضته للسجن والعذاب وجب عليه الدفع عن نفسه فقال: {هِيَ راوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي} ولولا ذلك لكتم عليها {وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها} قيل كان ابن عمّ لها، إنما ألقى اللّه الشهادة على لسان من هو من أهلها، لتكون أوجب للحجة عليها، وأوثق لبراءة يوسف، وأنفى للتهمة عنه. وقيل: هو الذي كان جالسًا مع زوجها لدى الباب. وقيل كان حكيما يرجع إليه الملك ويستشيره ويجوز أن يكون بعض أهلها كان في الدار فبصر بها من حيث لا تشعر، فأغضبه اللّه ليوسف بالشهادة له والقيام بالحق. وقيل: كان ابن خال لها صبيا في المهد. وعن النبي صلى اللّه عليه وسلم: «تكلم أربعة وهم صغار: ابن ماشطة فرعون، وشاهد يوسف، وصاحب جريج، وعيسى» فإن قلت: لم سمى قوله شهادة وما هو بلفظ الشهادة؟ قلت: لما أدّى مؤدّى الشهادة في أن ثبت به قول يوسف وبطل قولها سمى شهادة: فإن قلت: الجملة الشرطية كيف جازت حكايتها بعد فعل الشهادة؟ قلت: لأنها قول من القول، أو على إرادة القول، كأنه قيل: وشهد شاهد فقال إن كان قميصه. فإن قلت: إن دل قدّ قميصه من دبر على أنها كاذبة وأنها هي التي تبعته واجتبذت ثوبه إليها فقدّته، فمن أين دل قدّه من قبل على أنها صادقة، وأنه كان تابعها؟
قلت: من وجهين:
أحدهما: أنه إذا كان تابعها وهي دافعته عن نفسها قدت قميصه من قدّامه بالدفع.
والثاني: أن يسرع خلفها ليلحقها فيتعثر في مقادم قميصه فيشقه. وقرئ: {من قبل} والمناسبة فيها محققة. وأما الأمارة الأولى فليست مقصودة، وإنما ذكرها توطئة كما تقدم. فلم يلتمس لها مناسبة جلية صحيحة على اليقين، وإنما هي كالفرض والتقدير واللّه أعلم. وكأنه قال: إن كان قميصه قد من قبل فهي صادقة.
لكنه يعلم انتفاء الأمارة المذكورة، فعلق صدقها على محال وهو وجود قده من قبل حالة، فهذا التقرير هو الصواب والحق اللباب، واللّه الموفق. وأما إن كان الشاهد الحكيم الذي كان الملك يرجع إليه ويستشيره كما ورد في بعض التفاسير، فلابد من التماس المناسبة في الطرفين لأنها عهدة الحكيم. وأقرب وجه في المناسبة أن قد القميص من دبر دليل على إدباره عنها، وقده من قبل دليل على إقباله عليها بوجهه، واللّه أعلم.
ومن دبر، بالضم على مذهب الغايات. والمعنى: من قبل القميص ومن دبره. وأما التنكير فمعناه من جهة يقال لها قبل، ومن جهة يقال لها دبر. وعن ابن أبي إسحاق أنه قرأ: {من قبل} و{من دبر} بالفتح، كأنه جعلهما علمين للجهتين فمنعهما الصرف للعلمية والتأنيث. وقرئا بسكون العين. فإن قلت: كيف جاز الجمع بين (إن) الذي هو للاستقبال وبين (كان)؟ قلت: لأنّ المعنى أن يعلم أنه كان قميصه قدّ، ونحوه كقولك: إن أحسنت إلىّ فقد أحسنت إليك من قبل، لمن يمتن عليك بإحسانه، تريد: إن تمتن علىَّ أمتنَّ عليك {فَلَمَّا رَأَى} يعنى قطفير وعلم براءة يوسف وصدقه وكذبها {قالَ إِنَّهُ} إن قولك {ما جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا} أو إنّ الأمر وهو طمعها في يوسف {مِنْ كَيْدِكُنَّ} الخطاب لها ولأمتها. وإنما استعظم كيد النساء لأنه وإن كان في الرجال، إلا أنّ النساء ألطف كيدًا وأنفذ حيلة. ولهنّ في ذلك نيقة ورفق، وبذلك يغلبن الرجال. ومنه قوله تعالى: {وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ} والقصريات من بينهنّ معهنّ ما ليس مع غيرهنّ من البواتق وعن بعض العلماء: أنا أخاف من النساء أكثر ما أخاف من الشيطان، لأنّ اللّه تعالى يقول: {إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفًا} وقال للنساء: {إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ}. {يُوسُفُ} حذف منه حرف النداء لأنه منادى قريب مفاطن للحديث وفيه تقريب له وتلطيف لمحله {أَعْرِضْ عَنْ} هذا الأمر واكتمه ولا تحدّث به {وَاسْتَغْفِرِي} أنت {لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخاطِئِينَ} من جملة القوم المتعمدين للذنب. يقال: خطئ، إذا أذنب متعمدًا، وإنما قال: {مِنَ الْخاطِئِينَ} بلفظ التذكير تغليبا للذكور على الإناث، وما كان العزيز إلا رجلا حليما. وروى أنه كان قليل الغيرة. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

{الر تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (1)}

.فصل في نزولها:

هي مكية بالإِجماع.
وفي سبب نزولها قولان.
أما القول الأول، فروي عن سعد بن أبي وقاص.
قال: أُنزل القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتلاه عليهم زمانًا، فقالوا: يا رسول الله، لو قصصت علينا، فأنزل الله تعالى: {آلر تلك آيات الكتاب المبين} إِلى قوله: {نحن نقص عليك أحسن القصص}، فتلاه عليهم زمانًا، فقالوا: يا رسول الله، لو حدثتنا، فأنزل الله تعالى: {الله نزَّل أحسن الحديث كتابًا متشابهًا مثاني} [الزمر: 23] كل ذلك يؤمرون بالقرآن.
وقال عون بن عبد الله: ملَّ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مَلَّة، فقالوا: يا رسول الله حدِّثنا، فأنزل الله عز وجل: {الله نزَّل أحسن الحديث كتابًا متشابهًا مثاني} [الزمر: 23]، ثم إِنهم ملوّا مَلَّة أخرى، فقالوا: يا رسول الله، فوق الحديث، ودون القرآن، يعنون القصص، فأنزل الله: {نحن نقص عليك أحسن القصص}، فأراد الحديث، فدلهم على أحسن الحديث، وأرادوا القصص، فدلهم على أحسن القصص.
والثاني: رواه الضحاك عن ابن عباس قال: سألت اليهود النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: حدثنا عن أمر يعقوب وولده وشأن يوسف، فأنزل الله عز وجل: {الر تلك آيات الكتاب المبين إِنا أنزلناه قرآنا عربيًا} وذلك أن التوراة بالعبرانية، والإِنجيل بالسريانية، وأنتم قوم عرب، ولو أنزلته بغير العربية ما فهمتموه.
وقد بينا تفسير أول هذه السورة في أول (يونس)، إِلا أنه قد ذكر ابن الأنباري زيادة وجه في هذه السورة، فقال: لما لحق أصحابَ رسول الله صلى الله عليه وسلم مللٌ وسآمة، فقالوا له: حدثنا بما يزيل عنا هذا الملل، فقال: تلك الأحاديث التي تقدرون الانتفاع بها وانصراف الملل، هي آيات الكتاب المبين.
وفي معنى: {المبين} خمسة أقوال.
أحدها: البيِّن حلاله وحرامه، قاله ابن عباس، ومجاهد.
والثاني: المبيّن للحروف التي تسقط عن ألسن الأعاجم، رواه خالد بن معدان عن معاذ بن جبل.
والثالث: البيِّن هداه ورشده، قاله قتادة.
والرابع: المبيِّن للحق من الباطل.
والخامس: البيِّن إِعجازه فلا يعارَض، ذكرهما الماوردي.
قوله تعالى: {إِنا أنزلناه} في هاء الكناية قولان:
أحدهما: أنها ترجع إِلى الكتاب، قاله الجمهور.
والثاني: إِلى خبر يوسف، ذكره الزجاج، وابن القاسم.
قوله تعالى: {قرآنا عربيًا} قد ذكرنا معنى القرآن واشتقاقه في سورة [النساء: 82].
وقد اختلف الناس، هل في القرآن شيء بغير العربية، أم لا، فمذهب أصحابنا أنه ليس فيه شيء بغير العربية.
وقال أبو عبيدة: من زعم أن في القرآن لسانًا سوى العربية فقد أعظم على الله القول، واحتج بقوله: {إِنا جعلناه قرآنًا عربيًا} [الزخرف: 3] وروي عن ابن عباس، ومجاهد، وعكرمة أن فيه من غير لسان العرب، مثل سجيل والمشكاة واليم والطور وأباريق وإِستبرق وغير ذلك.
وقرأت على شيخنا أبي منصور اللغوي قال: قال أبو عبيد: وهؤلاء أعلم من أبي عبيدة، ولكنهم ذهبوا إِلى مذهب، وذهب هو إِلى غيره، وكلاهما مصيب إِن شاء الله، وذلك أن هذه الحروف بغير لسان العرب في الأصل، فقال: أولئك على الأصل، ثم لفظت به العرب بألسنتها فعربته فصار عربيًا بتعريبها إِياه، فهي عربية في هذه الحالة، أعجمية الأصل، فهذا القول يصدِّق الفريقين جميعًا.
قوله تعالى: {لعلكم تعقلون} قال ابن عباس: لكي تفهموا.
قوله تعالى: {نحن نقص عليك أحسن القصص} قد ذكرنا سبب نزولها في أول الكلام.
وقد خُصَّت بسبب آخر، فروي عن سعيد بن جبير قال: اجتمع أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم إِلى سلمان، فقالوا: حدِّثنا عن التوراة فانها حسن ما فيها، فأنزل الله تعالى: {نحن نقص عليك أحسن القصص} يعني: قصص القرآن أحسن مما في التوراة.
قال الزجاج: والمعنى نحن نبين لك أحسن البيان، والقاصُّ، الذي يأتي بالقصة على حقيقتها.
قال: وقوله: {بما أوحينا إِليك} أي: بوحينا إِليك هذا القرآن.
قال العلماء: وإِنما سميت قصة يوسف أحسن القصص، لأنها جمعت ذكر الأنبياء، والصالحين، والملائكة، والشياطين، والأنعام، وسير الملوك، والمماليك، والتجار، والعلماء، والرجال، والنساء، وحيلهن، وذكر التوحيد، والفقه، والسرّ، وتعبير الرؤيا، والسياسة، والمعاشرة، وتدبير المعاش، والصبر على الأذى، والحلم؛ والعزّ، والحكم، إِلى غير ذلك من العجائب.